الأحد، 1 نوفمبر 2015

علامات في طريق التفسير



بسم الله الكبير المتعال الهادي لما اختلف فيه من الحق
لك الحمد ربنا أن أنزلت علينا القرآن الهادي لما هو أقوم !
والصلاة والسلام على من أنزل الله القرآن على قلبه وأجراه على لسانه !

لطالما كان فهم القرآن غاية من أهم الغايات التي يسعى لها المؤمن ومن ثم كان طلب تفسيره من أهم ما يشتغل به

فلما بدأت في رحلة التفسير ظهر لي بعض الملاحظات التي لم أتوقعها و لم أٌقف على أحد نبه إليها من قبل فآثرت نشرها لتعم الفائدة :

 
* مهما كان معنى الآية واضحا فإن دراستها و تأملها و التوقف عندها في ضوء سياق الآيات ينتج فهما أعمق وأدق وهذا واحد من خصائص هذا القرآن

*أفضل أنواع الفهوم للآيات  هو ما كان في ضوء السورة ككل و ما كان في ضوء القرآن كله !

* عادة ما يكون للآية نظير في سورة أخرى - وهذا يمكننا أكثر من الفهم الأدق لمتشابه الآيات

* المعرفة الكبيرة بالسنة النبوية أقوالا و أفعالا تيسر كثيرا فهم غالبية الآيات وتقلل مساحة المتشابه أو الغامض

* عمليا لا يمكن الاقتصار على المرويات الصحيحة السند في أثناء رحلة التفسير - وهذا هو فعل الأئمة

* أسباب النزول أغلبها خادع , فمنها ما هو فقط مصاحب للنزول و شتان بين المصاحبة والسبب , ومنها ما يكون فقط مشابه للجو النفسي للواقعة أو الحدث التاريخي , فيحدث اللبس و هذا شيء دقيق ومتعب و لا يلاحظه إلا من يعرف الأحداث مدنيها و مكيها و كذلك يتطلب كشفها معرفة مرهقة وجيدة بتوقيت نزول السورة

* المعرفة اللغوية القوية لا تساهم في الفهم الصحيح أو الترجيح إلا بنسبة تقترب من الثلث , وعلى عكس المشهور من أن المعرفة القوية باللغة العربية (معرفة المتخصصين في اللغة) هي مفتاح التفسير فإن تفاسير اللغويين ليست هي أبرز أو أشهر التفاسير بل ونسبة كبيرة من تفسيراتهم تذهب بعيدا عن المعنى المقصود أو الأمثل

* ما قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتفسيره مباشرة - قليل للغاية

* يحتاج تفسير الآيات إلى كثير من التذوق اللغوي - الحس -

* كثير من تفسير الصحابة و التابعين لألفاظ القرآن الكريم يكون بالمعنى المقصود وأحيانا يكون بالترادف أو المعنى المقارب وهذا قلل كثيرا من الالتفات للدقة القرآنية الفائقة
* عن تجربة فإن الاستخدام اللغوي للفظ في السياق القرآني أهم و أدق من المعنى المجرد للفظة أو المفردة في اللغة العربية
*وبما ان القرآن نزل بلغة العرب و كذلك أنه أنزل للبشر , فإن اللفظة الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى , والعبرة بالسياق , وبعبارة أصرح فإنه لا يشترط للفظة الواحدة أن يكون معناها واحدا أينما ذكرت في القرآن الكريم
ويجب أن نتذكر أن كلمات العربية كانت غير منقوطة وتفهم الكلمة من السياق ! هذا هو الأصل !

* لابد من الاهتمام ببنية السورة ككل و ما توجهه من رسالة جامعة لا مجرد التركيز على الآيات منفردة

* لابد من إعطاء الحروف - الزائدة - و التقديم و التأخير و الحذف أهمية أكبر عند التفكر و النظر في معاني الآيات

* عن تجربة توجد معاني قرآنية لا تنكشف للفرد إلا بسماع التلاوة و تكرارها عشرات المرات , و منها ما لا يظهر لك إلا بأن تردد الآيات بلسانك و تكررها كثيرا , و منها ما لا يظهر إلا بالنظر في الآيات و هي مكتوبة و سبحان الله رب العالمين

* إن أهمية التواضع وأنت في رحلة فهم القرآن تتساوى أو تزيد عن أهمية المعرفة اللغوية , فالتواضع يجلب توفيق الله عز وجل -ويرفع الحكمة كما في الحديث

* الاستغفار و التسبيح أحد الوسائل الفعالة لجلب التوفيق الرباني في فهم ما استغلق فهمه من آي الذكر الحكيم

* التجرد من الفهوم السابقة ومن تأثير الثقافات هو أصل في الفهم الصحيح , وتترك الآيات توجهك , فاخلع نعليك قبل الدخول !

* الدعاء و التضرع إلى الله أن يرزقك الفهم والسداد ويجنبك الزلل

* كلما اقترب العبد من ربه فتح الله عليه بدقائق الفهوم و جعله يتذوق حلاوة القرآن و ما فيها من الحكمة

* التأني و عدم العجلة و استعجال الفهم و استباق النتائج, واعلم أخي المسلم أنه لن يستطيع بشر أن يحيط بالقرآن فهما - مهما بلغ - فإنك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا

* الفهم رزق من الله ويجلب بنفس وسائل جلب الرزق وكذلك الله يرزق من يشاء

*الحياة ومجرياتها وتجاربها تجذب أنظارنا إلى معان في الآيات لم نكن ملتفتين إليها من قبل , وتجعلنا نوقن بارتباط القرآن الوثيق بحياتنا المعاشة , وأننا لو كنا تأملنا القرآن وآياته وتدبرناها لنجونا من كثير من العثرات و لتجنبنا كثيرا من الألم لكن الحمد لله على نعمة الفهم بعد الجهل
 
خواطر عن ترتيب النزول :

قمت بمحاولة جدية مبدئية لمعرفة ترتيب نزول "السور" وخرجت بعد هذه المحاولة ببعض الانطباعات :

* لا نستطيع أن نعتمد على صحة السند كدليل - وحيد - لترتيب النزول - كمثال كثيرا ما ينسب لابن عباس -رضي الله عنه- القول و ضده و يكون الصواب مع الأضعف سنداً !
وهنا تأكد لي أن رحلة التفسير مختلفة عن رحلة الفقه !

* كثيرا ما نواجه حالات سورة مكية و يكون هناك أقوال بأن آيات منها نزل بالمدينة - وينسب هذا بالسند الصحيح لتابعي أو صحابي - فلو فرضنا صحة وقوع هذا الادعاء فإنه لا مفر من الجزم بأن القرآن تم جمعه كاملا في حياة الرسول ! صلى الله عليه وسلم , لأنه من العسير أن تقول للحافظ أضف إلى حفظك آيات كذا في داخل السورة - وفي سور كثيرة
والاحتمال الآخر هو أن هذه الآيات - جوها نفسي موافق لوقائع حدثت بالمدينة لا أكثر و ظن الظانون أنها نزلت بها للتشابه الشديد , وهو ما أرجحه , بعبارة أصرح الأصل عندي أن السور المكية تكون نزلت كل آياتها بمكة دون أن نستثني منها آيات

* الوصول لترتيب نزول كامل و دقيق لسور القرآن الكريم أقرب للمستحيل لكن لا مانع من المحاولة الجادة للوصول إلى تصور تقريبي

* عند التأمل المبدئي لماذا جعل الله عز وجل ترتيب النزول خافيا . نجد السبب لكي نتعامل مع القرآن ككل ولا ننسخ (نعطل منه أشياء بدعوى النسخ) منه شيء - بدعوى أن هذا نزل قبل ذاك أو  بعده , فالقرآن نزل ليعمل به كله
كمثال قوي فإن العلماء مجمعين على أن الإذن بالقتال كان بالمدينة ! لكن نجد أن من أوائل ما نزل سورة المزمل مذكور فيها القتال ! لنعلم ونتيقن أن أول القرآن موصول بآخره ! (التجهيز النفسي للقتال كان يتم من أول سنة !!!)

اللهم ثبت أقدامنا واهدنا سبلنا و نور أبصارنا واجعلنا من حملة لواءك وناشري دعوتك والحمد لله رب العالمين

 

تابعونا على تويتر

Translate