الجمعة، 2 أبريل 2010

الاجتهاد الجماعي – محاذير


كتبت كتابات كثيرة عن موضوع الاجتهاد الجماعي تؤصل له و تمدح فيه و تزكيه و تشرح مزاياه , و لم أجد أي كتابة عن عيوبه أو محاذيره , فتوكلت على الله و كتبت هذا الموضوع  لملء هذا الفراغ حتى يتم الانتفاع بمزايا الاجتهاد الجماعي دون أن تصيبنا عيوبه , و رأيي الشخصي أن الاجتهاد الجماعي ما زال نفعه أكثر من ضرره


1-    الاتكالية و الكسل – و قتل الابداع
الابداع يأتي عندما يكون التحدي كبيرا و عبر الخوف من الخطأ , أما الأمان الذي يعطيه ما يسمى بالاجتهاد الجماعي و الظن بأن المسئولية أصبحت مقسمة مما يعطي احساسا زائفا بالأمان يضعف قوى التحدي و التحفز التي تقدح الأذهان و تدفع لبذل مزيد من المجهود , ناهيك عن الطبيعة البشرية – التي لا يكاد ينفك منها أحد – فعندما تحس أنك لست مسئولا وحدك , فإن الهمة تضعف و الكسل يتسلل إلى النفس , و يظهر الاتكال و تقول ما فاتني سيغطيه غيري , و كثيرا ما يعتمد على صغار الباحثين و الاكتفاء بمجرد ابداء الرأي في أبحاثهم , و هذا كلة يناقض أساس الاجتهاد و صلبه الذي هو استفراغ الوسع في البحث عن الحكم الصحيح في المسألة , أيضا أثر جانبي إضافي أنه عندما يصدر رأي معين من المجمع الفقهي فإن أعضاءه يكفون عن البحث عن المسألة و يكتفون بما صدر في ذلك من قرار أو رأي جماعي , فنترك مواصلة الاجتهاد و مراجعة الرأي و تغيير الرأي , مثل الشافعي قديم و جديد , و تفكيره في المسألة لمدة عشرين عاما , انما نحن إذا صدر الرأي الجماعي توقفنا عن البحث و هذا هو عين الكسل
2-    الجبن و التقاعس عن المسئولية
لاحظت أن العديد من العلماء الكبار الذين و صلوا لمرتبة الاجتهاد يدفهم الخوف من الفتوى أو احساسهم بعظم المسألة إلى عدم القول في المسألة برأي و يقولون هذا أمر يحتاج إلى اجتهاد جماعي , و التورع في الفتوى شئ محمود , لكن لا أن يتقاعس عن الاجتهاد من هو قادر عليه بحجة الورع ! و ما هو الاجتهاد الجماعي إلا اجتهاد فردي يقوم به أفراد و يعرض على المجموع لعلهم يقدحوا أذهان بعض , فإذا ضعف الاجتهاد الفردي ضعف الاجتهاد الجماعي بالتبعية !
و لون آخر من الجبن هو أن يكون رأي العالم مخالفا لرأي المجمع فيترك رأيه بعد صدور الرأي من المجمع , ناسيا أن الله سيسأل كل عالم مجتهد عن ما أوصله له اجتهاده – لا عن ما وصل إليه اجتهاد الأخرين !
3-    الارهاب الفكري
رغم أن غالبية القرارات الصادرة عن المجامع الفقهية تصدر بغالبية الآراء لا باجماع الآراء , إلا أنه ما أن يصدر القرار حتى يتم تشديد النكير على المخالفين فيما يشبه تكميم الأفواه , كأن الرأي الصادر هو عنوان الحقيقة – و هذا ليس صحيحا فأقصى ما يمكن أن يقال أن رأي المجامع هو الأقرب للحق لكن الجزم بأن المجامع مصيبة في كل صدر عنها من قرارات أو آراء مجازفة و خطأ – و أصبح الحال : لا صوت يعلو فوق صوت المجامع الفقهية !
4-    ادعاء الاجماع أي تحويل رأي الغالبية إلى اجماع
الاجماع الفقهي أصل معروف و له قيمته في اصول الفقه و الغالبية العظمى من الفقهاء يرون عدم جوزا مخالفة الاجماع , لكن الملاحظ أن العلماء المعاصرين يتعاملون مع آراء المجامع الفقهية على أنها اجماع فقهي و كذلك ينكرون على المخالفين كأن آراء المجامع أصبحت اجماع و أقصى ما يمكن أن يقال هو أنها تشابه رأي الجمهور , أما أن نساويها بالاجماع الفقهي فهذا غلو و مبالغة مذمومة , فالنقاش يجب أن يكون نقاش ادلة , و ما يلزم العامة لا يلزم الفقيه المجتهد , و لا يصح ان نحول آراء المجامع الفقهية لسيف مصلت على رقاب العلماء , فالدقة هي جزء من مراعاة الحق
5-    الانتقائية في المجامع
هذه النقطة متعلقة بتشكيل المجمع الفقهي و تركيبة أعضاءه الذين يقومون بالتصويت
* تلاحظ وجود أعضاء – و إن كانوا على درجة عالية من العلم – إلا أنهم يعدون من المحسوبين على رئيس المجمع و يعتبرون من تلامذته و مريديه – اي لا يستطيعون أن يخالفوا رأيه و خصوصا في أثناء التصويت – و هذا عمليا يصب في أن يصبح رئيس المجمع له أصوات عديدة ! و يصبح المجمع مجمع المقلدين لا مجمع المجتهدين !
* نقطة أخرى تلاحظ أنه أحيانا كثيرة تكون نسبة الحضور من الأعضاء متدنية , و هذا يقلل من فوائد أسلوب المجمع الفقهي , و يجعل آراء تصدر عن المجمع رغم أن المشاركين فعليا عدد قليل
* و نقطة أخرى هي تركيبة أعضاء المجامع الفقهية التي تضم تخصصات متعددة منها اللغة و منها الطب و منها الاقتصاد و منها العقيدة , و كل هؤلاء و وجودهم ضروري لاثراء آلية الاجتهاد الجماعي , لكن أن يكون لهم أصوات مساوية لأصوات الفقهاء – و هو ما يحدث بالفعل – فهذا أمر غير صحيح , فالمفروض أن يشترك الجميع في النقاشات و تقديم الأبحاث , إلا أنه عند التصويت في المسائل الفقهية يكون التصويت فقط لمن تخصصه الدقيق الفقه أو الفقه المقارن أو الشريعة أو الحديث النبوى – باختصار أهل الفقه و أهل الحديث فقط – إلأا أن يكون عالما موسوعيا – و هم قليل -
* و أيضا من هناك فريق العلماء المذهبيين أي الذي يتبنى رأي مذهبه أيا كان , فهذا صوته مضلل لأننا لسنا في معرض ترجيح مذهب على آخر , لكننا نريد أن نصل بين الآراء على أساس الدليل لا المذهب – فعلى من يحضر أن يكون متحررا من الرأي المذهبي إلا ما وافق الدليل و إلا فمكانه ليس في المجامع الفقهية
6-    محاربة المجتهد الحقيقي كما حدث مع ابن تيمية و ابن حزم
لا بد أن نأخذ من التاريخ عظة و عبرة , فهذا من سنن الله , و تلاحظ تاريخيا أن الكثير من الأئمة المجتهدين تمت محاربتهم من الغالبية من علماء عصرهم , ثم تم تبني آراء هؤلاء الأئمة بعد وفاتهم , فعلينا ألا نقع في اخطاء من سبقونا , فعلينا أن نوفر للمجتهد الحقيقي البيئة المناسبة ليصدع برأيه , و ألا نتخذ المجامع الفقهية منابر لمحاربة المجتهد الحقيقي , لا أن نحاربه في حياته و نرجع فنأخذ بآراءه بعد وفاته و نكون ضيعنا عشرات السنين في التعصب
7-    إذا لم تؤخذ المحاذير السابقة في الاعتبار يخشى أن تشابه المجامع الفقهية في السلوك المجامع الكنسية مثل مجمع نيقية الشهير و العياذ بالله – و الحذر مما وقع فيه اليهود و النصارى أمر شرعي – أي يتحول الدين لكهنوت , و تصدر قرارات الحرمان لمن يخالف رأي المجمع ! دون النظر لرأي المخالف إن كان معتبرا أم لا , و و دون النظر لدرجة علم المخالف و خصوصا إن كان في درجة الاجتهاد

و يمكن أن نوجز ما سبق بوجوب أخذ الحيطة و الحذر و اتخاذ الفاعليات التي تحمي الاجتهاد الفردي – الذي هو المنبع الأصلي للاجتهاد – من طغيان الاجتهاد الجماعي , و منع المجامع الفقهية من التحول إلى أداة لنصرة رأي معين في مواجهة آراء أخرى معتبرة , و كذلك التدقيق في تشكيل و طريقة اتخاذ القرارات في المجامع الفقهية , و العمل على تشجيع الاجتهاد الفردي الذي بدوره سينعش الاجتهاد الجماعي و يرتقي بآراءه , فيجب أن يكون شعار هذه المجامع :
» هذا رأينا وهذا أقصى ما وصلنا اليه فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه «

ليست هناك تعليقات:

تابعونا على تويتر

Translate