الأربعاء، 21 أغسطس 2013

النصر الرباني – مفاهيم و سنن



بسم الله الرحمن الرحيم الهادي إلى سواء السبيل , سبحانك تقدست أسماؤك , اللهم صلي و سلم على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله البشير النذير و السراج المنير , أما بعد
على كثرة ما يتحدث المسلمون عن النصر، ويطلبونه ويلحون في طلبه فإنا لم نجد من أصل الكلام عليه وبينه و شرح سبله و وسائله وكل ما يختص به , لنعرف ما الذي نطلب و كيف نحقق ما ندّعي أننا نسعى إليه , استقراءا لآيات كتاب الله و سنن الله التي سنها لكل ما يجري في الكون
وهذه حلقة من حلقات لبيان النصر حتى تتضح صورته في الأذهان ويثمر السعي بما نحب و نطمع
وسأسرد – سائلا الله العون و السداد - بعض النقاط الهامة التي يجب أن يعلمها كل مسلم طالب للنصر (وطلبه فرض على كل مسلم) ليكون طريقه على بينة وحتى يأخذ بالأسباب الربانية وكذلك الأسباب الدنيوية التي تجلب النصر.
والكلام هنا عن النصر الرباني , و هو الخارج عن نطاق السنن الكونية العادية من انتصار الفئة الكثيرة أو القوية على الفئة القليلة أو الضعيفة فتتضح الصورة أكثر فأكثر و نتمكن بعد الفهم و التطبيق أن نستجلب النصر الرباني , و سيكون الكلام في صورة نقاط – غير مرتبة الأهمية  -

1.     وهي أهم نقطة: أن النصر من عند الله
وهي ليست مجرد كلمة ولكن لها معانٍ عميقة، فمثلها كمثل: وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى. فالنصر من عند الله هو صانعه ومقدره وانما نحن أدوات يتحقق بها النصر متى أراد الله أن يجعل النصر على أيدينا، لكن الأهم هو أن يستعملنا الله فنكون بفضله جنداً من جنوده سواء جاء النصر على أيدينا أم لا.
ففي الحديث المشهور إن الله ينصر هذا الدين بالبر والفاجر. فاحذر أن يتحقق النصر على يديك وتكون أنت الفاجر فالأفضل أن تنصر هذا الدين وأنت بر. فقد تنصر هذا الدين ولا يكون لك نصيب من ثواب أو أجر حتى وإن أصبت نصيبك من الغنيمة. لو شاء الله لهدى الناس جميعا – أنت تسعى لهداية الناس أما النتيجة فلا شأن لك بها. فلا تحزن لفواتها أو عدم تحققها لأننا كما قلنا: "النصر من عند الله". انما عليك العمل وعلى الله الأجر.
وأيضاً ما رميت اذ رميت هي ألا تفخر برميك أو بنصر جاء على يديك لكن احمد الله عز وجل أن جعله على يديك فهو فضل فوق فضل، أن تعرف قدرك فكم من أخيار سبقوك وفاقوك في العلم والعمل والايمان ولم يكتب الله على أيديهم النصر لحكمته عز وجل (لا يسأل عما يفعل). هذا لا يمنع من أن نفرح بنصر الله لكن كما قلنا دون أن تحدثنا أنفسنا بالسوء فنقول في أنفسنا أو في العلن: لولاي لما حدث كذا وكذا.

2.    ما هو النصر؟!
نحن نذكر كلمة النصر ولا نعرف عن أي نصر نتحدث.
عندما تلقي بكلمة النصر على مسامع أي مسلم فان أول ما يأتي على ذهنه هو النصر في الحرب أو الملك أو تكوين امبراطوريات وأحياناً الخلافة الاسلامية.
هل هذا هو النصر؟ أو هل هذه هي وحدها صورة النصر؟!
أليس دخول الناس في دين الله أفواجاً نصر؟ أليس نزول العذاب على قوم لوط هو نصر لكن دون مُلكٍ أو نصرٍ في حرب؟
وفي الحديث النبوي ..من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. فإعلاء كلمة الله هو النصر. فكل ما يعلي من كلمة الله فهو نصر أو نصر جزئي ونسعى له كما أمرنا. ولا نقصر صورة النصر على صورة واحدة معينة وهي الانتصار على الأعداء في الحرب.
وكذلك يدخل فيه كل ما يغيظ الكفار.
يكثر المسلمون بشكل مبالغ فيه بالدعاء لهلاك عدوهم وكأن هذه هي الصيغة الوحيدة للنصر، وللأسف يدخل فيها حظ النفس من العلو الذي تطلبه النفس وتميل اليه في حالة تكوين الملك والنصر في الحرب، أو بشهوة الانتقام وغلبة الغضب في حال الدعاء بهلكة الأعداء. ولا أنهى عن الدعاء على الأعداء ولكن أخشى أن ننسى دورنا وسنة نبينا, فدورنا أننا "داعين إلى للهدى" , وسنة نبينا في عدم اطباق الأخشبين على قريش. وحتى لا يكون للعمل في سبيل الله حظ من النفس ونصيب من الهوى.
وأضيف فيما يختص بالدعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر قضى  ليلته في الدعاء – والمقصد أن الدعاء من أواخر ما يتم أخذه من أسباب بعد الأخذ بكافة الأسباب  من اعداد وايمان وما الى ذلك (قضاء ليلة المعركة في الدعاء من خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم أما المسلمون فان الأفضل لهم النوم استعدادا للمعركة).
ويجب التأكيد على أن تأخر النصر أو حتى الهزيمة ليس بالضرورة غضب من الله
على الفئة المؤمنة وإن كان يجب على الفئة المؤمنة أن تراجع نفسها حتى تتأكد تمام التأكد أن ما حدث لم يكن بسبب تقصير ديني أو تقصير في الأخذ بالأسباب.
لماذا يتأخر النصر؟
أحيانا يتأخر النصر لأن الله يدخر نصراً أكبر للمؤمنين. ليبلوهم أيصبرون أم لا, أيشكّوا في الطريق أم لا.

3.     هل نتعبد الله بالنصر أم بالعمل على نصرة هذا الدين؟!
فكثير من المسلمين يشغله النصر (النتيجة) وكأنه يعبد الله على حرف.
فهناك من يمضي غاضباً ان أبطأ النصر أو لم يأت,فلم يعلم دوره ولم يعرف قدره، ويسئ الظن بربه ,والله أحق أن يعبد وأن يسعى المرء لنصرة دينه حتى لو لم يكن هناك أي نصر.
وجاء في الحديث الصحيح يأتي النبي ومعه الواحد ويأتي النبي وليس معه أحد. فهل نجرؤ أن نقول أنهم منعوا النصر بسبب تقصيرهم، ونذكر أيضاً أصحاب الأخدود فقد منعوا النصر لكن الله قد رضي عنهم وأعلى ذكراهم، ونذكّر أيضاً بقصة أصحاب الفيل وأن نصر الله قد نزل لحماية بيت الله الحرام رغم عدم وجود فئة مؤمنة.
فنحن نتعبد الله عز وجل بنصرة هذا الدين والعمل على اعلاء كلمته طالبين الأجر، فإن جاء النصر فهو فضل من الله وإن منعنا النصر فلن يمنعنا الأجر ,إلا أن تكون الهزيمة أو عدم النصر بتقصير منا (تقصير شوبه استهتار أو تكاسل شديد أو فرار أو خيانة و العياذ بالله) ، فمن كان يعبد الله يعمل لدينه على كل حال، أما من كان يعبد النصر فحين يأتي النصر فسيكون قد نال ما طلب، فلا أجر له.
ومما يكشف حقيقة هذه النقطة أمام أنفسنا – هو الوسائل المتبعة لتحقيق النصر فإن دخل فيها وسائل مخالفة للشرع فهنا يكون طلب النصر هو حظ من النفس وطلب للعلو

4.     من جوالب النصر هو ظلم الفئة الضالة للمؤمنين وخاصة في الدماء والأعراض فإنها من أكثر الأشياء التي تجلب سخطة  الله عز وجل على أعداء الدين. بالأخص حينما لا يملك المؤمنون دفعاً لهذا الظلم والبلاء المبين بشتى أنواع الدفع لشدة ضعف أو لعظم الفوارق في القوة  أو عدم القدرة على الهجرة وترك الدار الظالم أهلها.

5.         يغفل المسلمون بشكل غريب عن أهم سبب ديني أو رباني من أسباب النصر!!!، وهذا السبب هو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو "البلاغ المبين", فكثيراً ما نرى في قصص الأنبياء عليهم السلام أن العذاب لم ينزل على المشركين المعاندين الا بعد البلاغ المبين، فالبلاغ المبين هو أهم جوالب النصر- ونكرر ليس البلاغ ولكن البلاغ المبين.
والمبين: أي الواضح والبالغ. ويماثله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأقوى الايات التي تحدثت عن نصر الله للمسلمين جاءت بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ* لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ آل عمران 110 -112
لم يأت أبدا ذكر النصر يسيرا سهلا بمثل هذه الدرجة الا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أخوتي في الله , هذه آيات ربنا تبشرنا إن أخذنا بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيما بينا و تجاه أهل الكتاب لفروا منا ! و لذلّوا على أيدينا ! 

6.    هل النصر خير؟!
النصر فضل من الله مثله مثل المال فهو ابتلاء قد ينجح المرء فيه أو لا، فكم من مخلص مؤمن مجتهد كان أداؤه على أحسن ما يكون في حال الهزيمة والاستضعاف، فلما جاءه النصر فُتن أواغتر به أو نسبه الى نفسه أو انشغل بتحصيل الغنائم والمكاسب الدنيوية عوضاً عن السعي لمزيد من نصرة دين الله بعد أن أصبح في قوة ومنعة، يتحجج بالاستطاعة وقد كان من قبل يعمل في ظروف وتحديات أشد سوءاً، أو فتنته السلطة أو أفسدته بطانة السوء التي تلتف حول المنتصر وتنسيه ما حارب من أجله وهو اعلاء كلمة الله عز وجل وإقامة دينه (لا شريعته فقط) ,واكتفى بدرجة أو مُلك بائس مهما علا ,ونسي أن الله قد وهب الملك لكثير من الكفار والمشركين – ونعوذ بالله من الخذلان ومن فتن الخير وفتن الشر.
ونعود فنضيف أن للنصر تبعات وواجبات حتى يجيب حين يسأل عما أعطاه الله له فيما عمل فيه، وأيضاً حتى يؤدي شكر نعمة هذا النصر.
نقطة هامة: ومن الاغترار بالنصر الذي يقلل من الأجر أن يقلل من عمل من سبقوه ويحسب أنه أفضل منهم بدليل أن النصر جاء على يديه وأنهم منعوا النصر.

7.     يظل واحد من أهم موانع النصر – بعد ضعف الايمان – هو الترف.
فما أضاع ملك بني أمية في الأندلس إلا الترف (ترف الحكام و المحكومين)، وكذلك زالت دولة المرابطين بعد أن أصابهم ما أصاب من سبقهم فورث دولتهم الموحدون.
وفي الحديث الصحيح المشهور - حديث القصعة – قالوا: وما الوهن؟ حب الدنيا وكراهية القتال. والاثنان يمكن التعبير عنها بكلمة الترف.
والكبائر الجالبة لسخطة الله عز وجل مثل الربا و الغش و التطفيف في الميزان و أكل مال اليتيم و فشو الزنا , واللواط , وعدم إقامة الحدود والسحر و عقوق الوالدين وتوسيد الأمر لغير أهله و غيرها من الكبائر هل يقع فيها المسلمون إلا بضعف في الايمان , و الترف , و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيما بينهم ؟!

8.     يجب أن لا ننسى أن الله عز وجل هو رب العالمين –لا رب المؤمنين فقط - قد يمنع أو يؤخر النصر عن الفئة المؤمنة، لأن هذا النصر قد يضر بفئة أخرى أو أناس آخرين لا يريد الله لهم أن يموتوا على الكفر أو يفتنوا (عادة ما يحدث ذلك في حالةعدم البلاغ المبين)

9.     استعجال النصر و البضاعة الرديئة
  فكثيراً ما يؤلمني أن أرى أفراداً من العاملين للاسلام يقولون اللهم نصرك الذي وعدت، وهم لا يعلمون أن طلب النصر بهذه الصيغة فيه سوء أدب مع الله عز وجل ، فهي كمن يطلب الجنة من الله ويقول اللهم جنتك التي وعدت، فهل ندخل الجنة الا برحمة من الله وفضل؟
وهل وعد الله جنته لأحد ؟ ، نعم وعدها للمتقين، فهل تجزم بأنك من المتقين ؟
هل حققت كل أسباب النصر (أو حتى معظمها !) حتى تطلب موعود الله ؟

10.                        طلب لقاء العدو و استعجال الشهادة
في الحديث النبوي "لا تتمنوا لقاء العدو"  فلقاء العدو فتنة , فنسأل الله العافية و الثبات عند اللقاء , ويقول الله عز وجل "قاتلوا في سبيل الله" و لم يقل موتوا في سبيل الله , وتمني الشهادة شئ حسن لكن الاستهتار بالنفس و عدم الحفاظ عليها مخالف للسنة , فالنفس المؤمنة ثمينة لا يجب الاستهانة باهدارها , فالموت في سبيل الله وفقا للمسنون هو الناتج عن الجدية في القتال لا تعمد التعرض لمواضع القتل
ويستدل لهذا أيضا أن صنعة داود عليه السلام كانت صناعة الدروع الحربية , وكان النبي صلوات ربي و سلامه عليه يلبس لدرع و عدة الحرب حين القتال

11.                        من جوالب النصر عقد النية الحسنة على الفعل الصالح بعد التمكين أو النصر , و تنقلب لسبب للهزيمة لو تحقق التمكين و لم تف بعهدك مع الله عز وجل

12.                        وهل تنصرون إلا بضعفائكم ؟ -كما في الحديث الصحيح
يجب مراعاة "الضعفة" في أية تدابير تتخذ – فلا تجني هذه التدابير و الأفعال على هؤلاء الضعفة


13.                         الأخيرة: الأسباب الدنيوية وسنن الله في النصر – بشكل عام.
الجهاد والاستطاعة
أصل التكاليف في الاسلام هو الاستطاعة , وتسقط التكاليف بالعجز عنها , و يبقى وجوب السعي لتغيير هذا العجز حتى تتوفر الاستطاعة , وإلا كان المرء كاذباً
يبقى الجهاد مأثرة
من يقاتل في سبيل الله في ظل عدم الاستطاعة فهو مأجور و مثاب – على الأقل بإحياء فريضة الجهاد -
مراعاة موازين القوى - عدم الدخول في معارك غير متكافئة الا اذا كان الهدف هو نصر جزئي مع الوضع في الاعتبار أن استعجال الدخول في معركة غير متكافئة يصعب الأمور أكثر فأكثر لأنه يضيّع القوة الاسلامية ويجعلها تبدأ من الصفر ويعطي للجبهة الأخرى مناعة وصلابة ومزيد من الاستعداد ويقلل من عنصر المفاجأة، وأيضاً فإن النتيجة الحتمية للدخول في معركة غير متكافئة هو الهزيمة الساحقة مما يصيب المؤمنين بالإحباط والحزن والشك الذي بدوره يُقعِد عن العمل، فندخل في دائرة مفرغة لا فكاك منها. فعندما تريد أن تقتل الأسد ففرصتك هي في أن تضربه ضربة واحدة قوية مميتة، فلا مجال للتجارب.
وهنا ينبغي أن ننبه أن النصر قد يغيب بسبب عدم التقدير الجيد للوضع وعدم فهم السنن الربانية والدنيوية المكونة للنصر – ولا ننسى كذلك أن السنن الدنيوية هي أيضا من صنع الله عز وجل , ولكن المقصود بها الأخذ بكل أسباب القوة سوى القوة الايمانية
استفراغ الوسع هو المطلوب
لايكلف الله نفسا إلا وسعها , وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
وأحسب أن "ومن رباط الخيل" مقصود بها ما يسمى حديثا بالقوة السريعة التحرك  - تكون مستعدة للمباغتة و كذلك مستعدة لصد أي مفاجآت من العدو



نسأل الله أن يرزقنا الاخلاص والفهم و السداد و العمل و أن يزدنا علما و يرزقنا شكر نعمه والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

تابعونا على تويتر

Translate