الاثنين، 12 أبريل 2010

لماذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية ؟



 إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  سورة يوسف 2

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   سورة الزخرف 3

وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ  سورة الأحقاف 12

أولا : كان لابد من أن يتم اختيار لغة من بين اللغات الموجودة وقت نزول القرآن , و لم يمكن أن ينزل بعدة لغات لأن كل كتاب لابد أن يرسل معه نبي ليشرح تعاليمه , و هو ما حدث بالفعل في العصور السابقة لنزول القرآن , فعندما آن الآوان لخاتم النبيين و آخر الرسالات كان يجب أن تنزل بلغة واحدة – لغة النبي الخاتم -

ثانيا : تم اختيار اللغة العربية , لأنها كانت لغة ناضجة مكتملة , فكان لابد أن تكون لغة مليئة بالمعاني و الألفاظ و التراكيب و في نفس الوقت بحروف قليلة – أي في الكتابة –
فمثلا اللغة العبرية – لغة فقيرة إذا ما قورنت ببقية اللغات , مما أدى إلى أن الإنجيل عند ترجمته للغة اللاتينية – أصبحت الركاكة اللفظية و عدم الدقة واضح على الترجمة – ليس بسبب اللغة اللاتينية لكن بسبب اللغة الأصلية
و مثلا اللغة الهندية و اللغة الصينية صعب جدا الكتابة بها
و نظرة على اللغة اللاتينية , ثم نظرة على اللغة الإنجليزية التي كتب بها شكسبير , ثم نظرة على اللغة الإنجليزية في صورتها الحالية – سنعرف لماذا لم يقع الأختيار على اللاتينية ! – فرغم الأصل الواحد إلا أن الإختلاف بينها ضخم!
و لا ننسى أيضا أن القرآن بما أنه متلو بالدرجة الأولى , فاللغة العربية هي الوحيدة التي تضم أكبر كم من الحروف المنطوقة في العالم و تزيد عليها بحرف الضاد , و التلاوة أي النطق , و كلما زادت الحروف المنطوقة كان في ذلك غنى و إضافة , و هذا أحد معاني كلمة عربي , بمعنى واضح الحروف وهو ما تحرص عليه اللغة العربية في نطق كل الحروف وإظهارها مما يسهم في دقة السماع ومن ثم الرسالة
أي أن هذا السبب متعلق بالخصائص التي تميز اللغة العربية على بقية اللغات

نزيد في أمر هذه الخصائص, أن النص هو عبارة عن رسالة منطوقة أو مقروءة تحمل معاني, والهدف هو ايصال هذه الرسالة بوضوح و عمق لتصل إلى العقول و القلوب - بمعنى المشاعر- , وبناء اللغة العربية يسمح بتلك المهمة بكفاءة و يسر , وتحمل أيضاً جرساً صوتياً يسهم في عمق التأثير
وكان النص القرآني ليس فقط ناجحاً و بارعاً في إيصال المعاني العقلية و الاتحاد مع المشاعر الداخلية للإنسان بما يشبه الاختراق الكلي - عقلاً و قلباً - لكنه أيضا نص يحض على التفكر فيما مضى حولك و مستفزاً للتغير و مثيراً للتأمل الخارجي و الداخلي
واللغة العربية كان عليها ليس فقط حمل ثقل إيصال التنزيل لكن أيضا عبء شرحه وتأويله خدمة للنص المقدس
 
فكما نرى فالنص القرآني متنوع جداً في طريقته وأهدافه , و هذا يستلزم بالضرورة لغة متينة
وأخيراً فإن اللغة العربية لغة عندها قابلية للتطور مثل الاشتقاقات المحدثة التي تسهم ليس فقط في تكوين القرآني  وكذلك  جدة الاستعمال لكنها أيضا أثبتت قدرتها على التطور بعد الفراغ من الوحي خدمة للنص المقدس مثل إضافة النقاط و التشكيل بشكل فيه توافق كبير مع تحقيق غرض الدقة التي هي أحد أهم خصائص القرآن نفسه


 precise - can deliver multiple meanings at the same time - expressive - semi-musical - clear in speech-  inspiring - wide variation in style

ثالثا : عندما نزل القرآن تحدى العرب أن يأتوا بسورة مثله فلم يستطيعوا , فالتحدي و الإعجاز اللغوي للقرآن كان يتحتم أن يكون بلغة غاية في النضج و الفصاحة و أن ينزل على قوم فصحاء عالمين بلغتهم – لا لغة مجهولة أو يتكلم بها الخاصة حتى و لو كانت فصيحة -
أي أن طبيعة الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم كانت تحتم أن تكون لغة القرآن لغة فصيحة و إلا كان التحدي سهلا

رابعا: هناك أسباب تتعلق بالمكان , فكان لابد للرسالة الخاتمة أن تكون في قلب العالم القديم – حتى يسهل انتشارها في أنحاء العالم , و جزيرة العرب هي في قلب العالم القديم

خامسا : كان لابد أن تنزل الرسالة في مكان مقدس , و هذا المكان بالقرب من أرض الرسالات – بيت المقدس - , أي بالقرب من بيت المقدس لتعطي معنى التواصل , و تكون مختلفة عن بيت المقدس لتعطي التفرد , فكان اختيار مدينة مكة التي بها الكعبة التي أعاد بناءها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم و ابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام , ليكون أول بيت وضع للناس هو مكان نزول آخر رسالة للناس , و كان اختيار النبي محمد صلى الله عليه و سلم من ساكني مكة و من نسل إسماعيل و إبراهيم عليهما السلام – و بالتالي نزل القرآن بلغة النبي الخاتم – صلى الله عليه و سلم -  ليكون أقدر على تبليغ الرسالة و إيصالها بلغته و لغة قومه
أي ترابط اختيار المكان باختيار القوم باختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – باختيار اللغة

سادسا: من تبعات أن يكون العرب هم أول من ينذر بالقرآن و أول من تصلهم الرسالة الخاتمة , أن يتحملوا – أي من دخل في الإسلام من العرب – عبء نشر الإسلام في العالم أجمع , فلا عجب أن يكون كتاب الله بلغتهم كي يتمكنوا من الاستمرار في آداء رسالتهم في نشر الإسلام ,  و هذا يوصلنا للنقطة الأخيرة و هي لماذا العرب ؟

سابعا:
كان اختيار العرب كأمة كي تتحمل عبء – قبل أن يكون شرف – نشر رسالة الإسلام و تعاليمه , هي أحد أسباب اختيار اللغة العربية لينزل بها كتاب الله
إن الخصائص التي يتسم بها العرب هي ذاتها الخصائص التي يتسم بها بنو إسرائيل , و هي القبلية و البداوة , القبلية بما تعنيه من تعصب و تشرذم فلا تستطيع قوة في الكون توحيدهم ! بالطبع غير قوة الدين السماوي , و أيضا ليس عندهم حضارة , أي أمة فطرية لا أمة حضارية , و الأمة الحضارية في تعريفي البسيط هي القدرة على انتاج حضارة – أفكار و مناهج – و القدرة على الاستفادة من حضارات الآخرين , فإذا اجتمعت الصفتان صارت أمة حضارية , و هذا بالطبع لا يمكن أن يطلق على أمة العرب – قبل الرسالة –  و هذا السبب هو أحد علامات صدق الرسالة – لأن أي أمة حضارية عندما تطلع على رسالة محمد صلى الله عليه و سلم ستدرك لا محالة أن العرب لا يمكن أن ينتجوا منتجا حضاريا بمثل هذه الجودة – فيكون هذا بمثابة اطمئنان للأمم الأخرى بأن هذه الرسالة هي من عند الله
فلو نزل على أمة الرومان أو الهند أو الصين مثلا , لظن الناس أن هذا الدين هو انتاج بشري حضاري أنتجته أمة حضارية لها سوابق في الحضارة , لو قلنا هذا بلغتنا العصرية لقالوا : "هذه تقليعة أمريكية جديدة !"
و سبب آخر لارسال الرسالة في العرب هي أنهم لم يأتهم نذير من قبل – فمنذ تراجعهم إلى الكفر بعد وفاة إسماعيل عليه السلام لم يبعث فيهم نبي مرسل -

ثامنا: فيما يخص أهل الكتاب فإن الله عز وجل أمرنا أن نعرض عليهم الدخول في الإسلام في صورته النهائية كما جاء بها محمد صلى الله عليه و سلم , فإن أبوا فإن الله يطالبنا بأن نطالبهم بالرجوع إلى أصل دينهم و هو التوحيد , أي إن آثروا البقاء على دينهم فعليهم الإلتزام بالتوحيد
 قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ   آل عمران 64
و هذا المطلب بسيط و لا يقف حاجز اللغة أمامه

تاسعا: فيما يخص الوثنيين , فإن لغاتهم كثيرة جدا و كتابتها أقرب للطلاسم و نزول القرآن بكل اللغات شئ مستحيل و كذلك لأن هناك لغات تتغير تغيرا كثيرا بمرور الوقت , و كما قلنا سابقا كل كتاب لابد أن يأتي معه نبي , و بما أنه لابد من انقطاع النبوة لأن كثرة الأنبياء بسبب كثرة البشر سيؤدي لفوضى حتما و لا ننسى أن كل نبي و له معجزة , و كثرة الأنبياء تؤدي أيضا إلى كثرة المدعين و الدجاجلة كل يزعم أنه نبي , فكان لابد من نبي خاتم و رسالة واحدة تصلح للجميع و يتعهد الله بحفظ جوهر هذه الرسالة – و هي التوحيد الخالص زائد أصول العبادات زائد أصول الأخلاق زائد أصول الحلال و الحرام – , و تم تبسيط الحلال في الطيبات و تبسيط الحرام في الخبائث , و كما نرى أن هذه الأصول لا يقف حاجز اللغة أمام فهمها و استيعابها و تطبيقها

عاشرا : إن كل ما سبق هو اجتهادات للوصول للأسباب , و للوصول للحكمة من وراء نزول القرآن بالعربية , فالله يفعل كل شئ بحكمة , لكن الله لا يسأل عما يفعل و هم يسألون , فلعل هناك اسبابا لم نغطيها أو أسبابا زدناها , إنما هو اجتهاد منا فإن كان صوابا فمن الله و الله ذو الفضل العظيم

و الله تعالى أعلى و أعلم

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم :

كلام جميل ومنطقى

شكرا
ميزان

غير معرف يقول...

كل سنة وانت طيب وجزاك الله خير وانشالله تكتب في ميزان حسناتك كلامك بيخليني أقول الحمدلله الذي جعلنا مسلمين واحنا منعرفش قيمةاننا بنتكلم عربي غير لما نشوف المسلمين غير العرب اللي ميقدروش يقرؤا القرآن باللغة العربية...ريما

بلوجاتي يقول...

الأخت ريما

جزاكي الله خيرا

الحمد لله على نعمة الإسلام - سواء كنا عربا أم لا - و بالتأكيد العروبة لها ميزات و هي أيضا مسئولية تجاه الدين

Unknown يقول...

فتح الله عليك .. جواب منطقي وشافي للعقول الحائرة التي تبحث عن إجابات شافية .. جزاك الله خيرا ورزقك مزيدا من البلاغة والحكمة ..
والحمد لله الذي رزقنا بالإسلام ..

غير معرف يقول...

مقالة جيدة، لكن هناك شئ يحتاج تصحيح يا أخي الكريم، وهو قول: "فاللغة العربية هي الوحيدة التي تضم كل الحروف المنطوقة في العالم و تزيد عليها بحرف الضاد"، فهذه خاطئة لأن هناك الكثير جداً من الحروف في اللغات الأخرى لا توجد في العربية مثل حرف v و p في الانغليزية ومثل حروف وأصوات هندية وإفريفية كثيرة، فليتك تصحح هذه النقطة، وبارك الله فيك على هذا الموقع الرائع.

غير معرف يقول...

Le coran est claires , le coran z été révélé en arabe parce que -le peuple arabe n'était pas encore avertit-3- du le coran a été révélé avec une un autre langue que l'arabe ,il n'aurait pas cru et enfin au jours de la résurrection il n'aura une justification point finale

غير معرف يقول...

Salam alikoom
Pourquoi le coran a été révélé en arabe ,?
D'après le coran c'était parce que le peuple arabe n'était pas encore averti
Et puis parce que s 'il etait averti avec une autre langue que l'arabe , il n'aurait pas cru et enfin parce que au jugement dernier il ne trouverions pas de prétextes pour se justifier
Sourate 6 verset 155_157
Puisque s'est ainsi , les non arabes auront ils droit a cette même justification pour dire que eux aussi il fallait qu'il reçoive une révélation avec leurs langues respective
Que pensez vs?

تابعونا على تويتر

Translate