الجمعة، 29 أكتوبر 2010

الأمة الإسلامية و الخروج من المراهقة الفكرية


كيفية الوصول للنضج الفكري و الخروج من المراهقة الفكرية التي أصابت الأمة بل و أحيانا الطفولة الفكرية , و هذا المقال هو لبيان ما يجب عمله حتى نكون على الطريق الصحيح نحو النضج , و كلما زاد عدد النقاط التي نستوفيها كلما خطونا أكثر تجاه النضج و بعيدا عن المراهقة الفكرية , و لا أزعم أن هذه النقاط حصرية لكنها بالتأكيد ضرورية و تمثل هيكلا صلبا , لو تحقق فبالتأكيد يمكن وصف الأمة بالنضج

و التركيز هنا على الجانب الفكري – لأنه بدونه يصبح هناك عشوائية في التنفيذ و اهدار لطاقات الأمة

و لنعلم أن الأمة في فترات الضعف تكون أحوج ما يكون للآداء المثالي في التفكير و التخطيط و التنفيذ

1-     الكف عن التطبيق الأعمى لقاعدة لن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها , و سأضرب لهذا مثلا , كمثل من عرف قصة حصان طروادة فأراد أن يكسب معركته فصمم أن يستخدم الحصان كفكرة و تنفيذ بحذافيرها – مرة ثانية ! وحجته في ذلك خشيته أن أي تعديل يمكن أن يجعل الخطة لا تنجح ! و الأساس أن تأخذ الفكرة و لب الأمر لا تطبقه تطبيقا حرفيا أعمى !
توضيح آخر : ان نجاح المسلمين الأوائل لم يكن فقط بسبب ايمانهم و توقاهم لكنه كان أيضا لأنهم كانوا يأخذون بالأسباب الدنيوية الموصلة للنصر – حسب عصرهم – فعلينا أن نأخذ بالأسباب الدنيوية – وفق عصرنا نحن لا عصرهم هم – أما التقوى و الايمان فالطريق إليهم واحد مع امكانية التطوير في الوسائل

2-     تصحيح صورة البطل و صورة جيل النصر
فالمجتمع – و العلماء للأسف – يرسمون صورة غاية في المثالية للبطل و لمواصفات جيل النصر – و هي مواصفات خيالية أبعد ما تكون عن الواقع , فهي صفات لم تتحق و لن تتحق , انما كل ما نجنيه من هذه الصورة هو تصدير الاحباط للشباب – و الأبطال الجدد – و تعميق روح اليأس و العجز
فالحقيقة أن الأبطال لم يكونوا مثاليين – بل كانت لهم أخطاؤهم – و أحيانا الجسيمة – و يشمل هذا الصحابة رضوان الله عليهم , فالبطل هو من يعود على أمته بالنفع الجزيل حتى لو لم يكن هو نفسه مثاليا أو نموذجيا , الحقيقة أن هناك الألوف من الأبطال الذين تم وأدهم بسبب النظرة المبالغ فيها لمواصفات البطل
و علينا أيضا أن نستفيد من أنصاف الأبطال – فالأمة في حاجة لكل الطاقات -

3-     التخلي عن فكرة أما كل شئ أو لا شئ , فعلينا أن نرضى بالنتائج الجزئية و المكاسب التدريجية
انظروا ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلباته من أهل يثرب في بيعة العقبة الأولى
انظروا ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلح الحديبية
انظروا ما كاد أن يفعله في غزوة الأحزاب مع غطفان

4-     التخلي عن الأحادية في التفكير (و إصدار الأحكام), أما أبيض و أما أسود , أما عدو و أما صديق , أما مسلم و أما كافر , يجب التخلي عن سياسة الأبيض و الأسود إلى سياسة الألوان و التدرج اللوني
فالأية تتكلم كمثال عن أقرب الناس مودة – و هذا لبيان أن القرب درجات و البعد درجات
و أيضا فرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس
و الأية تقول تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى – و نحن نصر على أن نوحدهم ضدنا كنتاج أعمالنا ! المطلوب أن نعمل على تعميق هذا الاختلاف

5-     تحويل العيوب المتأصلة إلى مزايا أو الاستفادة من ميزات الشئ طالما لا نستطيع أن نتخلص من عيوبه , مثل تحويل التفاخر إلى تنافس, و "التنافس" لا التقاتل و التنازع
القبلية ,  نستغلها في أن التأثير الايجابي على زعيم القبيلة يكون له مردود على جميع القبيلة

6-    الايمان بأن النصوص الإسلامية غنية جدا و تحتمل المزيد من الاجتهاد

7-     عدم الخوف من الاجتهاد أو الخوف من خروج اجتهادات مخالفة أو مغايرة لاجتهادات السلف  - طالما منهج الاجتهاد إسلامي صميم -

8-    العمل دائما على تقليل المسافة بين ما يراه العقل – السليم – و صريح النصوص

9-     معرفة أن الصواب ليس واحد فهناك صواب و هناك أصوب و علينا دائما أن نسعى نحو الأصوب ثم الأصوب و هكذا , و أن الخطأ من الجائز ألا يكون خطئا بالكلية – أي هناك نسبة من الصواب فيه –

10-                       الكف عن محاولة جمع الناس على رأي واحد و فكر واحد , إلى الاستفادة من التنوع , و الاستفادة من ميزات كل فئة

11-اتقان فن تقسيم الأدوار و توزيعها و أن يكون العمل في تناغم غير معلن , فإذا كان المثل الشعبي يقول "لم يروهم و هم يسرقون و رأوهم و هم يتنازعون تقسيم الغنايم " فإننا تخطينا هذا بكثير فنحن نتنازع قبل أداء المهمة و قبل نجاحها !

12-التفكير دائما بشكل عملي , الذي يكسب كل يوم أرضا جديدة و الكف عن سياسة المطالب العمومية إلى المطالب التطبيقية – فمثلا كلمات مثل الديمقراطية و الحريات إلخ إلخ نستبدلها بمطالب محددة و أفكار عملية , مثلا بدلا من الاشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية , نطالب بتصوير عملية الفرز بالفيديو أو على الهواء مباشرة في دائرة تليفزيونية مغلقة

13-                       البحث دائما عن حلول ابداعية - ابتكارية

14-معرفة أن الجنة لها سعيها و أن الدنيا لها سعيها و من يريد أن يجمع بين الاثنين فعليه أن يبذل مجهودا مضاعفا , فلكي ترجع للأمة الإسلامية ريادتها لابد من مجهود مضاعف – أما العبادات و الايمانيات فهي لاعمار الأخرة

15-معرفة أن الاسلام يعمل على محورين الأول هو الفرد و الثاني هو المجتمع , و كل منهما له شقان , الشق الأول هو الوصول للجنة أو تكثير الحسنات , و الثاني الارتقاء بالفرد , و بالنسبة للمجتمع الشق الأول هو تسهيل العبادات و الثاني الارتقاء بالمجتمع , و الملاحظ هو أن التركيز دائما يكون على الشق الأول , فنجد الفرد يركزعلى العبادات و المجتمع يركز على بناء المساجد و تحفيظ القرآن !

16- العمل على محو الأمية الدينية و نعرف أننا نبدأ من الصفر , و للاسف نحن نتعامل مع الفرد و كأنه علاّمة يعرف كل شئ عن الدين

17-أن يقدم الشيوخ للناس أحسن ما في الدين كما نصت الآية
   ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ   الزمر 18
 وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ   الزمر 55

18-أن يسبق التفكير العمل , التفكير أولا ثم العمل ثانيا , فمثلا يجب أن أفكر كيف أحصل على أعلى ثواب من الجنيه الذي سأنفقه , و كيف أحصل على أعلى ثواب من وقتي الذي سأبذله في سبيل الله

19-تنمية العقل عند الأفراد , و أقصد بالعقل ما هو مذكور في القرآن عن العقل
المقصود بالعقل استخدام التفكير للوصول للصواب و تنفيذه , و إيجاد البدائل و إختيار أفضلها , التفكير للإستفادة من الأخطاء و عدم الوقوع فيها او ما يشابهها مرة أخرى , الحذر من الأعداء , ....
ذكر التصرفات الذكية للرسول – صلى الله عليه و سلم – كما نذكر المواقف الايمانية

20-تنمية التفكير الايجابي – أن يكون كل عمل بهدف و مكاسب متوقعة للدين لا للفرد أو لفئة  على المستوى الشخصي حتى ولو كانت هذه الفئة دينية أو لو كان الفرد ذو حيثية دينية , و سأضرب مثالا لما أريد : قد يقوم اثنين من الشيوخ بعمل مناظرة تليفزيونية , و يخرج أحد الشيوخ و قد انتصر مفحما الأخر , السؤال هنا : هل استفاد الاسلام و المسلمين شيئا ؟ هل تم استغلال مثل هذه المناظرة من قبل أعداء الإسلام ؟ , و بعد التفكير توزن المكاسب و المفاسد ثم يكون القرار بعمل المناظرة أو بإلغائها

21-تقبل النقد و أنه لا يعني العداوة أو محاولة الهدم , فالنقد هو من قبيل النصيحة المفروضة على كل مسلم
مثال : نقد الحاكم , نقد عمرو خالد , نقد الشيخ يوسف القرضاوي , فلا أحد فوق النقد , و هو من قبيل النصيحة , أما مسألة أن تكون النصيحة سرية فهذا غير عملي لأن أقوالهم علنية فالرد لابد أن يكون علنيا هو الأخر , و كان الرجل يأتي النبي وهو في وسط أصحابه فيقول له اعدل فانك لم تعدل !
و أن نوسع صدورنا لأن عدم تقبل النقد – و تحمل أضراره – سيؤدي بنا للإنغلاق و الأحادية

22-التخلي عن خصلة "التصنيف"
هذا كافر , و هذا شيعي , و هذا رافضي , و هذا علماني , و هذا حكومي , هذا فتحاوي , هذا حمساوي , هذا وهابي ... الخ الخ
التصنيف مقعد عن العمل , فالذي يصنف يوجد لنفسه المبرر لعدم التعاون و يوجد لنفسه المبرر لسلوك سلبي سيفعله , ناهيك على أنه يعمق انقسام الأمة و يكرسه

23- التخلي عن خصلة " النسيان "
فلا ننسى من أساء الينا – من الأعداء – و من استغل ضعفنا , و كذلك لا ننسى من مد لنا يد العون يوما ما حتى و لو كان كافرا

24-أن نجد الشيوخ المجتهدين يبادرون بتقديم اجتهادات جديدة فيها تيسير على الأمة – دون أن يكون ذلك نتيجة لضغوط تمارس عليهم , أي أن يكون الشيوخ في مقدمة قاطرة التجديد و التطور لا في مؤخرتها


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بورك فيك وفي جهدك.
أما بخصوص 22- التخلي عن خصلة التصنيف,
فلعلك تعني بذلك التخلي عنها عند التعاون والبناء لصالح الأمة جميعا. أما عقائديا, فلا بد من معرفة الصحيح من السقيم, كمعرفة الفرق بين اتباع السنة وغيرها, ولكن تبيان الفرق لا يكون تكريسا للفرقة, بل تصاحبه دعوة إلى التسامح والتناصح, والمجادلة بالتي هي أحسن, ولا إكراه في الدين.

بلوجاتي يقول...

جزاك الله خيرا

فيما يخص موضوع العقيدة فبحثك للوصول للحق هذا واجب , لكن أن تبحث عن مكنون من أمامك قبل أن تتعاون معك هو ما أقصده بالتصنيف , فلو تعرفت على الذي أمامك ثم أعرضت عن التعاون معه - فيما تتفقون فيه - فهذا هو التصنيف المقعد

في عصور التخلف الفقهي كان المصلي لا يصلي إلا وراء إمام من نفس المذهب - و الجامع الأزهر به أربع محاريب محراب لكل مذهب من المذاهب الأربعة !

الذي يجب ألا نتعاون معه مطلقا هو الذي يعادي الدين عداءا علنيا - حتى لو كان مسلما - بالاسم -

و أرجو أن أكون أوصلت ما أقصده - فهذا هو غرضي - لا أن أقنعك بها - فليس ضروريا أن نقتنع بكل الأفكار - المهم أن نفهم بعض جيدا

و جزاك الله خيرا مرة أخرى

تابعونا على تويتر

Translate